فصل: تفسير الآيات (21- 24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (171- 182):

{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)}

.شرح الكلمات:

{سبقت كلمتنا}: هي قوله تعالى: {لأغلبن أنا ورسلي}.
{وإن جندنا لهم الغالبون}: أي للكافرين بالحجة والنصرة.
{فتولَّ عنهم حتى حين}: أي أعرض عنهم حتى تؤمر فيهم بالقتال.
{وأبصرهم}: أي أنظرهم.
{فإِذا نزل بساحتهم}: أي العذاب.
{وتولَّ عنهم}: أي أعرض عنهم.
{سبحان ربك}: أي تنزيها لربّك يا محمد.
{عما يصفون}: أي تنزيها له عما يصفه به هؤلاء المشركون منالصاحبة والولد والشريك.
{وسلام على المرسلين}: أي أَمَنَةٌ من الله لهم في الدنيا والآخرة.
{والحمد لله رب العالمين}: أي الثناء بالجميل خالص لله رب الثقلين الإِنس والجن على نصر أوليائه وإهلاك أعدائه.

.معنى الآيات:

لما ختم السياق الأول بتهديد الكافرين بقوله تعالى: {فكفروا به فسوف يعلمون} أخبر تعالى رسوله بما يطمئنه على نصر الله تعالى له فقال: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} وهي قوله: {إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون}.
أي بالحجة والبرهان، وبالرمح والسنان. وقوله: {وتول عنهم حتى حين} يأمر رسوله أن يعرض عن المشركين من قومه حتى حين يأمره فيهم بأمر، أو ينزل بهم بلاء أو باساً وقوله: {وأبصرهم} أي أنظرهم فسوف يبصرون لا محالة ماينزل بهم من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة. وقوله تعالى: {أفبعذابنا يستعجلون} ن ينكر تعالى عليهم استعجالهم العذاب الدال على سفههم وخفة أحلامهم إذ ما يستعجل العذاب إلا أحمق جاهل وعذاب من استعجلوا إنه عذاب الله!!
قال تعالى: {فإِذا نزل بساحتهم} أي بفناء دارهم {فساء صباح المنذرين} أي بئس صباحهم من صباح إنه صباح هلاكهم ودمارهم ثم أمر تعالى مرة أخرى رسوله أن يتول عنهم وينتظر ما يحل بهم فقال: {وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون} وفي الآية من التهديد والوعيد لهؤلاء المشركين مالا يقادر قدره. وأخيرا نزه تعالى نفسه عما يصفه به المشركون من الولد والشريك وسلّم على المرسلين، وحمد نفسه مشيرا إلى مقتضى الحمد وموجبه وهو كونه رب العالمين فقال: {سبحان ربك} يا محمد {رب العزة} ومالكها يعز بها من يشاء ويذل من يشاء {عما يصفون} من الصاحبة والولد والشريك، {وسلام} منا {على المرسلين} وأنت منهم {والحمد لله رب العالمين} على نصره أولياءه وإهلاكه أعداءه.

.من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية.
2- وعد الله تعالى لرسوله بالنصر وقد أنجزه ما وعده والحمد لله.
3- استحباب ختم الدعاء أو الكلام بقراءة جملة {سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين} لورود ذلك في السنة.

.سورة ص:

.تفسير الآيات (1- 11):

{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)}

.شرح الكلمات:

{ص}: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب ص ويقرأ صاج الله أعلم بمراده به.
{والقرآن ذي الذكر}: أي أقسم بالقرآن ذي الذكر إذ به يذكر الله تعالى ما الأمر كما يقول هؤلاء الكافرون من أن النبي ساحر وشاعر وكاذب.
{بل الذين كفروا في عزة وشقاق}: أي أهل مكة في عزة نفس وشقاق مع النبي والمؤمنين وعداوة فلذا قالوا في الرسول ما قالوا، وإلا فهم يعلمون براءته مما قالوا فيه.
{وكم أهلكنا قبلهم من قرن}: أي كثيرا من الأمم الماضية أهلكناهم.
{فنادوا ولات حين مناص}: أي صرخوا واستغاثوا وليس الوقت وقت مهرب ولا نجاة.
{وعجبوا}: أي وما اعتبر بهم أهل مكة وعجبوا أن جاءهم منذر منهم محمد صلى الله عليه وسلم.
{قالوا ساحر كذاب}: أي لما يظهره من الخوارق ولما يسنده إلى الله تعالى من الإِرسال والإِنزال.
{أجعل الآلهة إلهاً واحدا}: أي لما قال لهم قولوا لا إله إلا الله، فقالوا كيف يسع الخلائق إله واحد؟
{إن هذا لشيء عجاب}: أي جعل الالهة إلهاً واحدا أمر عجيب.
{وانطلق الملأ منهم أن امشوا}: أي خرجوا من بيت أبي طالب حيث كانوا مجتمعين بالنبي صلى الله عليه وسلم وسمعوا منه قوله لهم قولوا لا إله إلا الله.
{إن هذا لشيء يراد}: أي إن هذا المذكور من التوحيد لأمر يراد منّا تنفيذه.
{في الملة الآخرة}: أي ملة عيسى عليه السلام.
{إن هذا إلا اختلاق}: أي ما هذا إلا كذب مختلق.
{أأنزل عليه الذكر من بيننا}: أي كيف يكون ذلك وليس هو بأكبر منا ولا أشرف.
{بل هم في شك من ذكري}: أي بل هم في شك من القرآن والوحي ولذا قالوا في الرسول ما قالوا.
{بل لما يذوقوا عذاب}: أي بل لم يذوقوا عذابي إذ لو ذاقوه لما كذبوا بل آمنوا ولا ينفعهم إيمان.
{أم عندهم خزائن رحمة ربك}: أي من النبوة وغيرها فيعطوا منها من شاءوا ويحرموا من شاءوا.
{أم لهم ملك السموات والأرض}: أي ليس لهم ذلك.
{فليرتقوا في الأسباب}: أي الموصلة إلى السماء فيأتوا بالوحي فيخصوا به من شاءوا أو يمنعوا الوحي النازل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأنّى لهم ذلك.
{جند ما هنالك مهزوم}: أي هم جند حقير في تكذيبهم لك مهزوم أمامك وفي بدر.
{من الأحزاب}: أي من الأمم الماضية التي تحزبت على رسلها وأهلكها الله تعالى.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {ص والقرآن ذي الذكر} أمّا ص فإِنه أحد حروف الهجاء ومذهب السلف فيه أن يقال الله أعلم بمراده به إذ هو من امتشابه الذي يجب الإِيمان به ويوكل أمر معناه إلى من أنزله، وقد ذكرنا غير ما مرة أن هذه الحروف قد افادت فائدتين فليطلبهما من شاء من القراء الكرام من السور المفتتحة بمثل هذه الحروف نحو طس، ألم.
وأما قوله: {والقرآن} هو كتاب الله هذه المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم {وذي الذكر} معناه التذكير إذ به يذكر الله تعالى والجملة قسم أقسم الله به فقال: {والقرآن ذي الذكر} وجواب القسم محذوف تقديره ما الأمر كما يقول هؤلاء المشركون من أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم ساحر وشاعر وكاذب {بل الذين كفروا في عزة وشقاق} أي بل هم في عزة نفس وكبرياء وخلاف وعداوة مع النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون فحملهم ذلك على أن يقولوا في الرسول ما قالوا، وإلاّ فهم يعلمون يقينا أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن السحر والشعر والكذب والجنون. وقوله تعالى: {كم أهلكنا قبلهم من قرن} أي كثيرا من الأمم الماضية أهلكناهها بتكذيبها لرسلها فلما جاءهم العذاب نادوا صارخين مستغيثين {ولات حين مناص} أي وليست الساعة ساعة نجاة ولا هرب، فلم لا يعتبر مشركو مكة بمثل هؤلاء. لم يعتبروا {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم} ينذرهم عذاب الله في الدنيا والآخرة وهو محمد صلى الله عليه وسلم. {وقال الكافرون} أي لم يعتبروا وعجبوا وقالوا فيه صلى الله عليه وسلم {ساحر كذاب}. {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} أي عجيب أي كيف يسع العباد إله واحد إن هذا لأمر يتعجب منه غاية العجب، لأنهم قاسوا الغائب وهو الله تعالى على الشاهد وهو الإِنسان الضعيف فوقعوا في أفحش خطأ وأقبحه.
وقوله تعالى: {وانطلق الملأ منهم} وهم يقولون لبعضهم بعضا امشوا واصبروا على آلهتكم {إنَّ هذا لشيء يراد} أي منا إمضاؤه وتنفيذه. قالوا هذا وما بعده من القول لما اجتمعوا بالرسول صلى الله عليه وسلم في منزل عمه أبي طالب لمفاوضة الرسول في شأن دعوته فلما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: «قولوا لا إله إلا الله» قاموا من المجلس وانطلقوا يمشون ويقولون ما أخبر تعالى به عنهم {انّ امشوا واصبروا على آلهتكم} أي على عبادتها فلا تتخلوا عنها {إن هذا} أي الدعوة إلى لا إله إلا الله لشيء كبير يراد منا إمضاؤه وتنفيذه لصالح غيرنا. ما سمعنا بهذا أي بالتوحيد في الملة الآخرة أي الدين الأخير وهو ما جاء به عيسى بن مريم عليه السلام. {إن هذا إلا اختلاق} أي ما هذا الذي يدعو إليه محمد إلا كذب اختلقه لم ينزل عليه ولم يُوحَ إليه. وواصلوا كلامهم قائلين {أأنزل عليه الذكر} أي القرآن {من بيننا} وليس هو بأكبرنا سنا ولا بأشرفنا نسباً. فكيف يكون هذا؟ وقوله تعالى: {بل هم في شك من ذكري} أي لم يكن بالقوم جهل بصدق محمد في قوله وسلامة عقله، وإنما حملهم على ذلك هو شكهم في القرآن وما ينزل به من الحق ويدعو إليه من الهدى، وهذا أولاً وثانيا إنهم لما يذوقوا عذابي إذ لو ذاقوا عذاب الله على تكذيبهم ما كذبوا، وسوف يذوقونه ولكن لا ينفعهم يؤمئذ تصديق ولا إيمان.
وقوله تعالى: {أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب} أي بل أعندهم خزائن رحمة ربك يا رسولنا العزيز أي الغالب الوهاب أي الكثير العطاء من النبوة وغيرها وعندئذ لهم أن يعطوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ولكن فهل لهم من خزائن رحمة ربك شيء والجواب لا إذاً فلم ينكرون هبة الله لمحمد بالنبوة والوحي والرسالة..
وقوله تعالى: {أم لهم ملك السموات والأرض} أي بل ألهم ملك السموات والأرض وما بينهما؟
إذا كان هذا لهم {فليرتقبوا في الأسباب} سببا بعد سبب حتى ينتهوا إلى السماء السابعة ويمنعوا الوحي النازل على محمد صلى الله عليه وسلم من ربّه سبحانه وتعالى. ومن أين لهم ذلك وهم الضعفاء الحقيرون إنهم كما قال تعالى فيهم {جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب} أي جند حقير من جملة أحزاب الباطل والشر مهزوم هنالك ببدر ويوم الفتح بإذن الله.

.من هداية الآيات:

1- لله تعالى أن يقسم بما يشاء بخلاف العبد لا يقسم إلا بربّه تعالى.
2- بيان ما كان عليه المشركون من كبرياء وعداء للنبي صلى الله عليه وسلم.
3- بيان جهل المشركين في استنكارهم للا إله إلا الله محمد رسول الله.
4- تحدِّي الرب تعالى للمشركين إظهاراً لعجزهم ودعوته لهم إلى النزول إلى الحقِّ وقَبوله.
5- إخبار القرآن بالغيب وصدقه في ذلك.
6- ذم كلمة الأحزاب ومدلولها إذ لا تأتي الأحزاب بخير.

.تفسير الآيات (12- 20):

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16) اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)}

.شرح الكلمات:

{كذبت قبلهم}: أي قبل هؤلاء المشركين من قريش.
{وفرعون ذو الأوتاد}: أي صاحب أوتاد اربعة يشد إليها من أراد تعذيبه.
{وأصحاب الأيكة}: أي الغيضة وهم قوم شعيب.
{إن كل إلا كذب الرسل}: أي ما كل واحد منهم إلا كذب الرسل ولم يصدقهم فيما دعوا إليه.
{فحق عقاب}: أي وجبت عقوبتي عليهم.
{صيحة واحدة}: هي نفخة إسرافيل في الصور نفخة.
{مالها من فواق}: أي ليس لها من فتور ولا انقطاع حتى تهلك كل شيء.
{عجل لنا قطنا}: أي صك أعمالنا لنرى ما اعددت لنا إذ القط الكتاب.
{ذا الأيد}: أي القوة والشدة في طاعة الله تعالى.
{إنه أواب}: أي رجاع إلى الله في أموره.
{بالعشي والإِشراق}: أي بالمساء بعد العصر إلى الغروب والاشراق من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى.
{والطير محشورة له}: أي والطيور مجموعة.
{وأتيناه الحكمة وفصل الخطاب}: أي وأعطينا داود الحكمة. وهي الإِصابة في الأمور والسداد فيها وفصل الخطاب. الفقة في القضاء ومن ذلك البيّنة على المُدَّعي واليمين على من أنكر.

.معنى الآيات:

السياق الكريم في تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتهديد المشركين علهم يتوبون إلى الله ويرجعون قال تعالى: {كذبت قبلهم} أي قبل قومك يا محمد {قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد} أي صاحب الأوتاد التي كان يشد غليها من أراد تعذيبه ويعذبه كأعواد المشانق، {وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة} أي الغيضة وهي الشجر الملتف وهم قوم شعيب، {أولئك الأحزاب} أي الطوائف الكافرة الهالكة {إن كُلٌّ إلاَّ كذب الرسل} أي ما كل واحد منها غلا كذبت الرسل {فحق عقاب} أي وجب عقابي لهم فعاقبتهم، وما ينظر هؤلاء من قومك {إلا صيحة واحدة مالها من فواق} أي من فتور ولا انقطاع حتى يهلك كل شيء ولا يبقى إلا وجه الله ذو الجلال والإِكرام. وقوله تعالى: {وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب} قالوا هذا لما نزل {فأما من أوتي كتابه بيمينه} أيات من سورة الحاقة. قال غلاة الكافرين كأبي جهل وغيره استهزاء، ربنا عجل لنا قطنا أي كتابنا لنرى ما فيه من حسنات وسيئات قبل يوم القيامة والحساب والجزاء وهم لا يؤمنون ببعث ولا جزاء، وإنما قالوا هذا استهزاء وعنادا أو مكابرة فلذا قال تعالى لرسوله {اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد} أي القوة في دين الله {إنه أواب} أي رجاع إلى الله تعالى اذكره لتتأسى به في صبره وقوته في الحق وقوله تعالى: {إنا سخرنا} الآيات بيان لإِنعام الله تعالى على داود لتعظم الرغبة في الاقتداء به، والرغبة غلى الله تعالى فيما لديه من إفضالات {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق} أي إذا سبح داود في المساء من بعد العصر إلى الغروب وفي الاشراق وهو وقت الضحى سبحت الجبال معه أي رددت تسبيحه كرامة له والطير محشورة أي وسخرنا الطير محشورة أي مجموعة تردد التسبيح معه، وقوله: {كل له أواب} أي كل من الجبال والطير أواب أي رجاع يسبح الله تعالى.
وقوله: {وشددنا ملكه} أي قوينا ملك داود بمنحنا إياه كل أسباب القوة المادية والروحية. {وآتيناه الحكمة} وهي النبوة والإِصابة في الأمور والسداد فيها قولا كانت أو فعلا. {وفصل الخطاب} أي حسن القضاء والبصيرة فيه، والبيان الشافي في كلامه. فبه اقتده يا رسولنا.

.من هداية الآيات:

1- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله على الصبر على أذى قريش وتكذيبها وعنادها.
2- تهديد قريش إذا أصرت على التكذيب باشد أنواع العقوبات.
3- بيان استهزاء المشركين واستخفافهم بأخبار الله تعالى وشرائعه.
4- مشروعية الأسوة والاقتداء بالصالحين.
5- بيان آية تسخير الله تعالى الجبال والطير لداود تسبح الله تعالى معه.
6- حسن صوت داود في قراءته وتسبيحه.
7- مشروعية صلاة الإشراق والضحى.

.تفسير الآيات (21- 24):

{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)}

.شرح الكلمات:

{هل أتاك}: الاستفهام هنا للتعجب أي حمل المخاطب على التعجب.
{نبأ الخصم}: أي خبر الخصم الغريب في بابه العجيب في واقعه.
{إذ تسوروا المحراب}: أي محراب مسجده إذ منعوا من الدخول من الباب فقصدوا سوره ونزلوا من أعلى السور.
{بغى بعضنا على بعض}: أي تعدّى بعضنا على بعض.
{فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط}: أي احكم بالعدل ولا تجر في حكمك.
{واهدنا إلى سواء الصراط}: أي ارشدنا إلى العدل في قضيتنا هذه ولا تمل بنا إلى غير الحق.
{إن هذا أخي}: أي على ديني في الإِسلام.
{فقال اكفلنيها}: أي اجعلني كافلها بمعنى تنازل لي عنها وملكنيها.
{وعزتي في الخطاب}: أي غلبني في الكلام الجدلي فأخذها مني.
{لقد ظلمك بسؤال نعجتك}: أي بطلبه نعجتك وضمها إلى نعاجه.
{من الخلطاء ليبغي بعضهم}: أي الشركاء يظلم بعضهم بعضا.
{وظن داود أنما فتناه}: أي ايقن داود أنما فتنه ربه أي اختبره.
{فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب}: أي طلب المغفرة من ربه بقوله استغفر الله وسقط ساجدا على الأرض وأناب أي رجع تائبا إلى ربه.
{وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}: أي وحسن مرجع عندنا وهي الجنة والدرجات العلا فيها.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تسلية الرسول وحمله على الصبر على ما يعاني من كفار قريش من تطاول وأذى فقال له ربّه تعالى: {هل أتاك} إلى آخر الآيات. وذلك أن داود عليه السلام ذكر مرة في نفسه ما اكرم الله تعالى به إبراهيم وإسحاق ويعقوب من حسن الثناء الباقي لهم في الناس، فتمنى مثله فقيل له إنهم امتحنوا فصبر فسأل أن يبتلى كالذي ابتلوا به ويعطى كالذي أُعطوا إن هو صبر فاختبره الله تعالى بناء على رغبته فأرسل إليه ملكين في صورة رجلين فتسورا عليه المحراب كما يأتي تفصيله في الآيات وهو قوله تعالى: {وهل أتاك} يا رسولنا نبأ الخصم وهما ملكان في صورة رجلين، ولفظ الخصم يطلق على الواحد والأكثر كالعدو فيقال هذا خصمي وهؤلاء خصمي، وهذا عدوي، وهؤلاء عدوٌّ لي. وقوله: {إذ تسوروا المحراب} أي طلعوا على سور المنزل الذي هو المحراب في عرف بني إسرائيل ولم يدخلوا من الباب لأن الحرس منعهم من ذلك، لأن لداود وقتا ينقطع فيه للعبادة فلا يسمح بمقابلة أحد وقوله: {إذ دخلوا على داود وهو في محرابه ففزع على بعض} أي اعتدى بعضنا على بعض جئنا نتحاكم إليك {فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط} أي لا تجر في الحكم {واهدنا إلى سواء الصراط} أي إلى وسط الطريق فلا تمل بنا عن الحق. ثم عرضنا عليه القضية فقال أحدهما وهو المظلوم عارضاً مظلمته {إن هذا أخي} أي في الإسلام {له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال لي أكفلنيها} أي ملكنيها أضمها إلى نعاجي، {وعزني في الخطاب} أي وغلبني في الكلام والجدال وأخذها مني.
فقال داود على الفور وبدون أن يسمع من الخصم الثاني {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} وعلل لذلك بقوله: {وإن كثيراً من الخلطاء} أي الشركاء في زرع أو ماشية أو تجارة {ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} وهم أهل الإِيمان والتقوى فإِنهم يسلمون من مثل هذه الاعتداءات، {وقليل ما هم} أي وهم قليل جداً، وهنا طار الملكان من بين يدي داود وعرجا إلى السماء فعلم عندئذ أنما فتنه ربّه كما رغب إليه وأنه لم يصبر حيث قضى بدون أن يسمع من الخصم الثاني فكانت زلة صغيرة ارته أن ما ناله إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الكمال كان نتيجة ابتلاء عظيم، وهنا استغفر داود ربّه {وخر راكعا} يبكي ويطلب العفو وأناب إلى ربّه في أمره كله، وذكر تعالى أنه قبل توبته وعفا عنه فقال تعالى: {فغفرنا له ذلك وإن له عندنا الزلفى} أي لقُربه {وحسن مآب} أي مرجع وهو الدرجات العلا في دار الأبرار، جعلنا الله تعالى من أهلها بفضله ورحمته.

.من هداية الآيات:

1- فائدة عرض مثل هذا القصص تقوية قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت فؤاده وحمله على الصبر.
2- تقرير نبوة النبي صلى الله عليه وسلم إذ مثل هذا القصص لا يتأتّى له قصه غلا بوحي إلهي.
3- تقرير جواز تشكل الملائكة في صورة بني آدم.
4- حرمة غصدار القاضي أو الحاكم الحكم قبل أن يسمع الدعوى من الخصمين معاً إذ هذا محل الفتنة التي كانت لداود عليه السلام.
5- وجوب التوبة عند الوقوع في الذنب.
6- مشروعية السجود عند قراءة هذه الآية: {وخرّ راكعاً وأناب}.